الإعلام في عصر التحول الرقمي- تحديات وفرص

المؤلف: سلطان السعد القحطاني09.07.2025
الإعلام في عصر التحول الرقمي- تحديات وفرص

يشهد الإعلام في عصرنا الحالي منعطفاً بالغ التعقيد، وتقلّباً جمّاً في مساراته. فالعالم يتطور بوتيرة فائقة السرعة، الأمر الذي يستدعي تبدلاً في الأدوات والوسائل الإعلامية، فضلاً عن تغيّر علاقة الجمهور بالمعلومات. فالمتلقي لم يعد مكتفياً بانتظار جريدة الصباح، أو نشرة الأخبار المسائية، بل بات يصنع تجربته الإعلامية بنفسه، وبشكل فوري، عبر هاتفه المحمول.

هذا التحول العميق لا يبشّر بزوال الإعلام، بل يعكس انتقاله من نمط إلى آخر، ومن أدوات تقليدية إلى آليات أكثر ديناميكية وشمولاً. بيد أن التحدي الأهم يكمن في صميم سؤال جوهري: كيف نحافظ على أصالة المهنة الإعلامية في خضم هذا الطوفان الرقمي؟ وكيف نتمسك بقيمة المحتوى، دون الانسياق وراء التفاهة والتهور الذي تفرضه بعض الوسائل الإعلامية المعاصرة؟

كثيراً ما يتردد في أوساط الإعلاميين نقاش حول صراع مزعوم بين الإعلام التقليدي والإعلام الحديث. والحقيقة أن هذا الصراع مصطنع ولا أساس له من الصحة. فالمهنة واحدة، والأدوات هي التي تتغير وتتبدل. ليست المشكلة في التقنيات الحديثة، بل في فقدان الرؤية التحريرية التي تستوعب هذا التطور، وتعرف كيف توائم بين المحتوى الرصين ولغة الجمهور المعاصر.

إن المؤسسات الإعلامية التي تستوعب حقيقة أنها ليست مجرد صحيفة أو قناة تلفزيونية، بل هي مصنع ضخم لإنتاج المحتوى المتكامل، هي وحدها القادرة على البقاء والازدهار في هذا العصر. فالعصر القادم هو عصر "المنصة الإعلامية" الشاملة، التي تجمع بين النص المكتوب، والصوت المسموع، والصورة المرئية، والتصميم الجرافيكي، والتفاعل المباشر في نفس الآن. لقد ولى زمن الفصل بين الوسائط الإعلامية، ولم تعد الصحافة الورقية وحدها هي التي تمثل جوهر هذه المهنة النبيلة.

وفي غمرة هذا التحول الجذري، يجب علينا إعادة النظر في صورة الإعلامي النمطي. لم يعد من الضروري أن يكون ذلك "المناضل الأبدي" أو "عدو السلطة" بالضرورة. بل بات لزاماً عليه أن يكون ناقلاً أميناً للحقيقة، منفتحاً على جميع مصادرها، بما في ذلك السلطة نفسها. فتجاهل جزء من الحقيقة لا يصنع إعلاماً نزيهاً وموثوقاً.

ولعل المأساة الأكبر تكمن في عزوف القارئ عن القراءة. فنحن شعوب لا تهتم بالقراءة، ولا تثمن قيمة المعرفة. لذلك، إذا أردنا مستقبلاً زاهراً ومختلفاً، فعلينا أن نبدأ من جذور المجتمع: الطفل. فتشجيع صحافة الطفل ليس ترفاً، بل استثمار حقيقي في بقاء واستمرار هذه المهنة السامية.

الإعلام لن يندثر، لكنه حتماً سيشهد تحولات جذرية. ومن يدرك طبيعة هذا التحول، ويستعد له جيداً، سيكون من صنّاع المستقبل المشرق، وليس من ضحاياه.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة